معاكم أمنية 24 سنة، عايشة في بيت عيلة جوزي، في منطقة ريفية، جوه محافظة بني سويف، حياتي اتقلبت لجحيم من وقت ما اتجوزت “خالد” حبي الأول لما كنت عيلة صغيرة بدفاير، لأنه جارنا، ولحد ما كبرت، خالد شخص هادئ، عنده 30 سنة، وشغال مهندس زراعي في مصنع حلويات كبير في المحافظة عندنا، بيتمنالي الخير، والرضا، وأنا بتمناله يكون معايا دايمًا.. بس مش كل حاجة بناخدها من الحياة، قصتي بدأت بعد جوازي بشهرين بالظبط، لما كنت عند حماتي الحاجة “بدرية”، وهي بالمناسبة في الستينات، وصحتها كويسة، والعيبة متطلعش من بؤها، وحمايا ميت، وهي عايشة في الدور اللي فوقينا لوحدها في الشقة.. كنا في يوم عندها، قاعدين بنحضر للعشاء أنا وهي، وخرجت أجيب أطباق الأكل الصيني، وسمعت صوت حاجة ادبت في الأرض جامد..
جريت أنا وخالد على المطبخ، لاقينا حماتي واقعة في الأرض على جنبها، وجسمها فيه تشنجات غريبة، أحمد شالها لأن جسمه رياضي، ونقلناها بسرعة لسرير أوضة نومنا، وهو جري راح للعيادة يجيب الدكتور، وأنا اتصلت بأخت جوزي “منة” اللي متجوزة وقاعدة في الدور اللي تحتنا، وأخوه “رفعت” اللي ساكن في الدور الأرضي، ومطلق. كلهم جم، كانوا قلقانين على حماتي، اللي فضلت في السرير بتتشنج، وبتتنفس بصعوبة شديدة، وزوج “منة”، اللي اسمه “زكريا” سألني:
-أنتوا كلمتوا دكتور يجيلها ؟
قولتله:
-أيوه، خالد راح يجيبه.
بصلي بنظرات من الخبث وقالي:
-طيب عرفتوا حجج ملكية البيت فين ؟
“منة” بصتله بنظرات من اللوم والعتاب، و”رفعت” أخوها مسكه من رقبته، وطرده بره الأوضة، وزعقله:
-يا أخي أنت مبيهمكش غير الفلوس، وجمع الثروة، خلينا في المصيبة اللي فيها، أقسم بالله أمي لو حصلها حاجة، هعتبر إنك السبب وهوريك نار جهنم على الأرض.
“زكريا” لأنه جبان، وجسمه هزيل، فضل يعتذر، وقاله:
-حقك عليا، والله ما قصدي، أنا بسأل علشان في حد غريب هيجي البيت وممكن يعمل حاجة.
“رفعت” قاله:
-والله ما في غريب غيرك، وربنا بلانا بيك.
“منة” خرجت من الأوضة، وقعدت تعتذر لـ”رفعت”، وباست راسه، فسابها ومشي، وخلت “زكريا” ينزل من الشقة. ورجعت للأوضة وفضلت تبوس في إيد والدتها وتعيط… بعد حوالي عشر دقائق “خالد” جاب دكتور المستوصف اللي جنبنا، وبدأ يقوم بشغله، تابع الضغط، السكر، وسألني بما إن أنا اللي قريبة من حماتي في البيت، وكان باين عليا إن زعلانة عليها جدًا:
-هي الست أم خالد كلت أي حاجة من بره الأيام اللي فاتت ؟، أو مثلاً كلت حلويات أو حاجة حادقة ؟
فكرت شوية، وقولتله:
-لا بالعكس هي محافظة على أكلها بقالها فترة.
الدكتور مسك إيد حماتي وإداها حقنة، وبعد دقائق بسيطة جسمها هدي، وراحت في النوم، و”خالد” سأل الدكتور:
-هل محتاجة نوديها مستشفى يا دكتور ؟ أرجوك طمني.
قاله:
-لا، هي جسمها هدي دلوقتي، أنا بس محتاجك تتصل بالمعمل يجيلكم البيت، وتعملي التحاليل اللي كتبتهالك في الورقة دي.
-حاضر يا دكتور، بس أكيد هي كويسة دلوقتي ؟
-صدقني متقلقش عليها، يلا سلاموا عليكم.
الدكتور خرج، “رفعت” راح معاه يوصله، علشان يحاسبه، و”منة” فضلت ماسكة إيد والدتها وبتعيط، وقعدت تقولها بصوت منخفض:
-سامحيني، سامحيني.
“خالد” وقتها كان بيكلم المعمل، وبيقولهم على التحاليل المطلوبة بتركيز خاصة إنه بيعرف إنجليزي كويس، ماشاء الله عليه، فمحدش سمع “منة” غيري، فنا قربت منها، وسألتها:
-تسامحك ليه يا حبيبتي، أنتي معملتيش حاجة ؟
“منة” مردتش عليا، بعدها سحبت نفسها، نزلت شقتها، وأنا فضلت باقي اليوم قاعدة جنب حماتي… لما الوقت اتأخر كان باين على “خالد” التعب، فطلبت منه يروح ينام كام ساعة، وأنا هفضل جنب حماتي، بصعوبة وافق، ودخل ينام، وأنا قمت جبت سندوتش ومياه، وطفيت نور الأوضة، ورديت بابها، كان في إضاءة بسيطة جاية من الباب، وقعدت جنب حماتي.. كلت السندوتش، وسمعت حماتي بيخرج منها صوت حشرجة كأنها بتغرق في البحر، قربت منها شوية، حطيت إيدي على صدرها، الصوت اختفى، فجأة لاقيتها مسكت إيدي بقوة شديدة، فضلت تشدني ناحيتها، وعلى الضوء الضعيف، شوفت عينيها الأتنين لونهم أبيض، كانوا مفزعين بجد، والسرير بيتهز بيها بشكل مرعب، حاولت أمسك نفسي من الصراخ علشان متحصلش مشكلة، لكن حماتي كانت عمالة تشد فيا بقوة.
ومع الشد لاقيت لسانها اتحرك، وبدأت تتكلم وتقول حاجات غريبة، كانت بتقول بصوت منخفض:
-يا خدامي، يا خدامي، باسم بهاتير، أطلب رحمتكم، وعونكم، باسم العالم السفلي، أرجوا منكم عوني، ورفعي لعنان السماء، باسم الجن والشياطين، وعزرائيل، وكل أسماء المصطفين، قربوني منكم.
فضلت تكرر الكلام الغريب ده، وصوتها عمال بيحشرج جامد، وبقى شبه الرجالة، مقدرتش أعمل حاجة غير إن شديت إيدي جامد منها، وقعت على الأرض، شوفت خيال أسود ضخم وعريض طلع من تحت سرير حماتي، وقام نزل على جسمها، دخل جواها، ووقتها هي فضلت تتهز جامد، وخرج من بؤها عصارة صفراء، ورجعت كتير أوي، أنا جريت بسرعة ونورت الأوضة، لما بصيت عليها، لاقيتها واقعة على وشها، مش قادرة تتنفس، وبتقول:
-أه… أه… الحقوني… هموت.
جريت عليها، حاولت أعدلها على ظهرها، بس جسمها كان تقيل، فندهت على “خالد” بصوت عالي، جالي جري، لما شاف المنظر وقف لثواني مخضوض، مش فاهم، بعدها قام رفع والدته، وحطها على السرير، وسألني بعصبية:
-إيه اللي حصلها، أنتي قاعدة معاها علشان تقع بالشكل ده، إيه مش شايفة دورك كويس ليه ؟، أنا مش مقصر معاكي في حاجة، ولا مخليكي ناقصك حاجة.
حلفتله، بأن حاولت معاها، بس مقدرتش، وحكيتله اللي حصل، فقطع كلامي:
-مش وقته… مش وقته.. حقك عليا أنا أسف، نتكلم بعدين.
بعدها “خالد” فوق حماتي، وجبلها مياه، وفاكهة، وهي كان باين عليها الإرهاق الشديد، عمالة بتبصلي بنظرات من اللوم علشان الوقعة اللي حصلتلها، و”خالد”، سألها:
-ماما، حاسة بإيه دلوقتي ؟
اتكلمت بصوت مبحبوح:
-تعبانة، جسمي متكسر، وباخد نفسي بالعافية، بس جعانة أوي.
قولتلها:
-سلامتك يا حبيبتي، هتقومي وتبقي زي الفل إن شاء الله.
“خالد” قشرلها موزة، وكلتها… بعد حوالي ساعة تقريبًا حصلت حاجة غريبة أوي، حماتي قامت من سريرها، كانت صحتها كويسة، ووقفت كمان في المطبخ، صممت تعملنا فتة باللحمة، “خالد” فضل يتحايل عليها ترتاح، وأنا قولتلها، “هعملك اللي عيزاه بس ارتاحي”، لكنها رفضت.. كانت مبسوطة، حاسة إنها خرجت من السجن، بس “خالد” مكنش مطمن، فكلم المصنع بتاعه وطلب يومين تلاته إجازة. بعد كام ساعة الصبح طلع، فجيه حد من معمل التحاليل، وخد كذا عينة دم من حماتي، وبول، وبراز، بعدها مشي، وحماتي فضلت واقفة في المطبخ، واتصلت كمان بـ”منة” و”رفعت” وقالتلهم “غداكم النهاردة عندي، أنا بقيت كويسة”.
وطبعًا هما مكنوش مصدقين، والحقيقة بعد اليوم اللي شوفته امبارح كنت تعبانة أوي، فستأذنت منهم، ودخلت أوضة الأطفال اللي مجهزينها علشان لما ربنا يكرمنا بأولاد، قفلت الشباك بالستارة، وقفلت الباب، طفيت النور، واتغطيت باللحاف من البرد القارس. الإضاءة في الأوضة كانت هادية، الجو شاعري جدًا، يخلي أي حد ينام، بس أنا مقدرتش، لأن حسيت بأغرب شعور، حسيت بحد جسمه متلج نايم ورايا، ومتغطي باللحاف، فضلت لثواني متنحة، مش عارفة أتصرف إزاي ؟، الجسم ده كان عمال يقرب مني أكتر، أكتر، فنا بسذاجة سألت:
-خالد أنت هنا ؟
مجاليش رد، فجيت أقوم بسرعة من السرير، لكني مقدرتش، رجليا اتشلت حرفيًا، مقدرتش أحركها نهائي، كنت متسلسلة، حاولت مرة وأتنين وتلاته، الجسم اللي ورايا، قرب من ودني، وقالي بصوت يرعب:
– يا خدامي، يا خدامي، باسم بهاتير، أطلب رحمتكم، وعونكم، باسم العالم السفلي، أرجوا منكم عوني، ورفعي لعنان السماء، باسم الجن والشياطين، وعزرائيل، وكل أسماء المصطفين، قربوني منكم.
الكلام ده نفس اللي قالته حماتي، يعني نفس العامل مشترك، لفيت راسي لورا بصعوبة، وكانت صدمتي لما شوفت حماتي نايمة ورايا….
الجزء ٢
– يا خدامي، يا خدامي، باسم بهاتير، أطلب رحمتكم، وعونكم، باسم العالم السفلي، أرجوا منكم عوني، ورفعي لعنان السماء، باسم الجن والشياطين، وعزرائيل، وكل أسماء المصطفين، قربوني منكم.
الكلام ده نفس اللي قالته حماتي، يعني نفس العامل مشترك، لفيت راسي لورا بصعوبة، وكانت صدمتي لما شوفت حماتي نايمة ورايا، ووشها خارج منه تعابين كتيره، ولاقيت فئران بتجري في الأوضة، وعلى السرير. قمت من مكاني مفزوعة، وفضلت أصرخ، أصرخ، فلاقيت “خالد” جاي بيجري عليا، فتح باب الأوضة، وسألني:
-في إيه مالك ؟
جريت عليه في حضنه، فضلت أعيط، حكيتله كل اللي حصل، طبعًا مكنش مصدق، بس محبش يكدبني علشان نفسيتي تعبانة، فضل يهديني، وبعدها قالي:
-طيب تعالي ناكل، ماما عاملة أكل رهيب.
سألته:
-مش شايف إن اللي بيحصل ده مش طبيعي يا خالد ؟ مش شايف إن في حاجة غلط في البيت ؟ أنا مبقتش مطمنة نهائي.
-مش عايزين نسبق الأحداث، يا عالم بكره مخبيلنا إيه يا “أمنية”، يلا علشان ناكل.
خرجت من الأوضة، ولاقيت حماتي قاعدة على السفرة، و”منة”، و”رفعت”، كلهم كانوا مخضوضين من صرخاتي، وحماتي سألتني بابتسامة خبيثة:
-مالك يا حبيبتي، حصلك حاجة ؟
خالد ادخل وقال:
-أه يا ماما هههههههه شافت فار في الأوضة، وجيت أقتله نط بسرعة من الشباك، يلا ناكل.
نظرات “منة” لينا كانت حزن، ندم، وطبعًا جوزها مقعدش معانا بعد المشكلة اللي حصلت بينه، وبين أخوها… و”رفعت” مكنش مقتنع وشاكك في الكل، أما حماتي ففضلت طول القاعدة تبصلي بخبث، ومكنتش قادرة أفهم ليه بيحصل كده ؟؟؟
*****
عدا اليوم بين أسرتنا الكريمة على خير، لما جيه الليل، حماتي تعبت تاني، مبقتش قادرة تتنفس، ولا تتحرك، وطلبت مننا تنام على السرير اللي في أوضتي زي أمبارح، “خالد” قلق وراح جاب الدكتور تاني، ولحسن الحظ المعمل كان بعتلنا التحاليل في رسالة على الموبايل. “خالد” حملها، ووراها للدكتور، بعد ما كشف على حماتي، الدكتور قالنا:
-التحاليل مفهاش حاجة، جسمها سليم، كل الوظائف الحيوية شغالة بشكل طبيعي، ماشاء الله الحجة كأنها شباب.
رفعت تدخل وسأله:
-طيب واللي بيحصلها ده يا دكتور سببه إيه ؟
الدكتور بص في الأرض، وقال باستغراب وحزن:
-حقيقي مش عارف، أنا أول مرة أبقى في وضع بالشكل ده، بس عامة إحنا ممكن بكره ننقلها للمستشفى التخصصي اللي جنب محطة الأوتوبيسات، ونكشف عليها بشكل أدق، وأنا بنفسي هكون موجود، سلاموا عليكم.
الدكتور قام، وقبل ما يمشي، “رفعت” مسك إيده، وقاله:
-استنا يا دكتور علشان تفهم سبب اللي بيحصل.
بعدها مسك “منة” وقام نزل فيها ضرب على وشها، هي انهارت من الصراخ والبكاء، ومكنتش بدافع عن نفسها. حماتي شافت المشهد ده وفضلت تعيط، جسمها مكنش مخليها قادرة تقوم، و”خالد” كتف أخوه، وزقه بعيد عن اخته، و”رفعت” صرخ فيهم وقال:
-أنا هجيبلكم راس الأفعى اللي تعبانة، ومبهدلانا بالشكل ده.
“رفعت” نزل وجاب “زكريا” جوز أخته، وكان ماسكه من رقبته زي الخرفان، وفضل يضرب فيه، ويقوله:
-مش ناوي تبطل نجاسة بقى، جوزناك اختنا واعتبرناك راجل، وكل شوية نقفشك بتعمل سحر وأعمال، يا أخي اتقي الله، حتى ولو شغال في القرف ده تأذي بيه أهل بيتك، يا أخي ده أنت مكنتش لاقي تاكل، ولولا عيلتك المحترمة مكناش قبلنا بيك، ومكنتش هتقدر تتجوز وتقعد في شقة تمليك.
زكريا حاول يهرب من ماسكت إيده، وقاله بخوف:
-والله ما عملت حاجة، أنا توبت من ساعة أخر مرة لما جاتلي واحدة ست وطلبت أطلعلها الأثار اللي تحت بيتها، مستحيل أأذيكم، والله توبت، ودلوقتي شغال في السوبر ماركت اللي جنب المحطة، أبوس إيدك يا رفعت أرحمني معملتش حاجة.
“رفعت” فضل يضرب فيه، وقاله:
-أمال مين اللي عمل، وحيات عرش السماء، وربنا، لو أمي مرجعتش زي الأول، لهقتلك يا زكريا، وهحرق جسمك النجس ده بالبنزين.
جريت على “منة” هديتها علشان كانت في حالة صعبة، و”خالد” مسك أخوه وحاشه عن جوز أخته، بعدها قاله بنبرة حادة:
-زكريا أنا مبحبش أفترض سوء النية، لكن أقسم بالله لو طلع ليك يد في اللي حصل هسجنك باقي عمرك كله، وأنت عارف أنا ورايا مين.
“زكريا” وقع على الأرض، وفضل يطلب رحمتهم وقال:
-والله ما عملت حاجة صدقوني، بالله عليكم لتصدقوني.
“خالد” قومه، وقال لـ”منة”:
-خدي جوزك، وأمشوا يا منة دلوقتي.
خدته ونزلوا، بعدها كلنا روحنا لحماتي، وهديناها، فقالتلنا بصوت مبحوح:
-يا ولاد حبو بعضكم، هيجي وقت مش هكون معاكم فيه، مينفعش اللي بيحصل ده، أنا تعبانة، وانتوا بتتخانقوا.
أنا تدخلت وقولتها:
-متزعليش يا حبيبتي، كله هيكون كويس، قومي أنتي بس بالسلامة.
فضلنا قاعدين جنبها، حاولنا نخرجها من الحالة اللي فيها دي، بعدها “رفعت” نزل شقته، و”خالد” قالي إنه هيبيت جنبها النهاردة، وأنا لأن بحبهم ومتعلقة بيهم بعد ما أبويا وأمي ماتوا ومليش إخوات، قررت أفضل جنبها معاه.
*****
على حوالي الساعة 12 بليل، حماتي راحت في النوم، وأنا وجوزي كنا قاعدين بناكل، ومشغلين الشاشة اللي في الأوضة بصوت واطي، وقعدنا في جو من الهدوء مفتقدينه من زمن والله… والساعة 2 بليل، قمت أجيب كيكة بالشيكولاتة كنت محضراها لينا، فجأة وأنا واقفة في المطبخ، نور الشقة كله فصل، فنورت بموبايلي، وفتحت التلاجة، طلعت الكيكة، وجيت أطلع من المطبخ، لكن… لكن.. ملقتش الباب، كان في حيطة سد واقفة منعاني من الخروج، غمضت عيني واستنجدت بالله، مرة، أتنين، وفي التالته الباب ظهر، خرجت منه بسرعة، وكنت مرعوبة، بس محبتش أعمل أي حاجة غريبة، البيت مش ناقص توتر وقلق…
مشيت في الصالة، وطول منا ماشية كنت سامعة صوت رجلين ورايا، لما بصيت كذا مرة مشوفتش أي حاجة غريبة، بس لاحظت وجود مياه واقعة على جوانب الحيطة في الشقة، إحنا في الشتاء، يعني مصدر المياه ده غير معروف نهائي، ومش طبيعي خالص تحصل حاجة زي كده… كملت مشي على نور الكشاف، وقبل ما أدخل أوضة نومي، سمعت صوت “خالد” بيصرخ بشدة كأنه بيتكهرب أو في حد بيحاول يقتله، جريت على الأوضة، لكن الباب اتقفل في وشي، وهو فضل يصرخ، ويطلب المساعدة، قولتله بصوت عالي:
-يا حبيبي مالك ؟، في إيه بيحصل جوه ؟ أرجوك رد عليا، خالد مالك ؟
جالي صوته مهزوز:
-أمي مش طبيعية، واقفة قدامي، عينيها بيضا، وجسمها بينزل دم لونه أسود، كل لما بحاول أقرب منها، كهرباء شديدة بتضربني في جسمي، وشايف خيالات سوداء عمالة تلف الشقة حواليا، مش عارف أتصرف إزاي، ولا أعمل إيه، أنا خايف من أمي، وفي نفس الوقت خايف عليها.
-افتح الباب، حاول تكسره، بسرعة، أتصرف يا خالد.
هو فضل يضرب الباب برجليه، ومن وقت للثاني يصرخ، لكن الباب مكنش عايز يفتح، فنا أخدت بعضي وفتحت باب الشقة، وجريت على شقة “رفعت”، فضلت أخبط عليه زي المجانين، لحد ما فتح، حكيتله بسرعة الموقف، فسبقني وطلع جري على الشقة. لما دخلناها، كانت كل حاجة هادية، لكن الكهرباء لسه قاطعة، مشينا على كشاف موبايلي، لحد ما قربنا من باب الأوضة بتاعتي، وكان مفتوح، “رفعت” دخل بحذر وبص، ووقتها شوفت أبشع منظر في حياتي، لاقيت حماتي واقفة، وعينيها بيضاء، وجسمها بينزل منه دم كتير، وجلابيتها غرقانة فيه، وتحت رجليها على الأرض، “خالد” واقع على بطنه، وفاقد الوعي… “رفعت” برغم جراءته الشديدة إلا إنه كان خايف يتحرك، بس بعد ثواني، سألني بحدة:
-عندك حبل غسيل ؟
-عندي.
-هاتيه بسرعة.
روحت للبلكونة وطلعت من السبت الخشب بتاعنا حبل غسيل كنت مخلياها لوقت عوزه، بعدها رجعت واديته لـ”رفعت”، فأخده، وقرب من والدته، وقال بصوت حزين:
-سامحيني يا أمي على اللي هيحصل دلوقتي، بس أنا مضطر ومش عارف أتصرف إزاي.
حماتي كانت لسه واقفة، والدم بطل ينزل منها، وهي مبتسمة بشكل مفزع، “رفعت” قرب منها ببطء، ربطها بحبل الغسيل، كان مركز إنه ميوجعاش، يكتفها بس، وبعد ما خلص، حطها على السرير بتاعها، وجري على “خالد” وفضل يفوق فيه لأنه كان مغمى عليه، ووقتها أنا كنت بتابع اللي بيحصل والفزع مسيطر عليا، ومش عارفة لو جوزي حبيبي مات، أنا هعمل إيه ؟ ولا هروح فين ؟ بعد حوالي خمس دقائق، “خالد” فاق من غيبوبته، كانت الكهرباء رجعت تاني، وفضل “رفعت” يسأله عن اللي حصله، لحد ما حكاله، وأنا جريت عليه حضنته، وفضلت أعيط، وشكرت ربنا إنه لسه بخير…. وبعد ما أخوه سمع تفاصيل اللي شافه، وقف وقاله بنبرة حادة:
-إحنا لازم نجيب الشيخ “هلالي”، هو ده اللي هيتصرف، وهيعرفنا فين المشكلة وإزاي نحلها ؟ لأننا كده بنضيع وقت.
“خالد” هز راسه، وراح أطمن على والدته، لقاها نامت، وبقى جسمها هادئ، فراح فك من عليها حبل الغسيل، وغطاها باللحاف، و”رفعت” قاله:
-أسف إن عملت فيها كده، بس جسمها كان في حالة شيطنة غير طبيعية نهائي، ومكنش قدامي غير الحل ده علشان أسيطر عليها.
-عارف يا “رفعت”… ومصدقك… أنا كل لما كنت بقرب منها، كنت بشوف قدامي شيطان بجبروت وقوة غير طبيعية، مكنتش بشوف أمي أبدًا.
وأنا تدخلت في الكلام وقولت:
-يبقى لازم زي ما أخوك قال يا حبيبي، نجيب الشيخ “هلالي”، هو اللي هيتصرف، كده الموضوع خرج بره الإطار الطبي، أو المشاكل الجسدية. اللي بيحصل ده سحر أسود، أو سفلي، دي قدرة غير عادية.
“خالد” هز راسه، وقال:
-الصباح رباح، بكره أول ما الفجر يأذن هروح أصلي، وأطلب العون من ربنا سبحانه وتعالى، وأجيب الشيخ معانا، لعل وعسى يكون الشفاء على إيده. وانتي يا “أمنية” روقي الشقة، عيب أوي يجلنا والمنظر بالشكل ده.
قولتله:
-حاضر يا حبيبي عندك حق، إن شاء الله يكون الشفاء على يده.
*****
ليلتها فضلنا كلنا صاحيين، محدش قدر ينام، ولا ياكل، وأنا نضفت الشقة. لما الفجر أذن، نزل “رفعت”، ومعاه “خالد” وبعد حوالي نص ساعة، رجعوا وكان معاهم الشيخ “هلالي”، كان راجل طيب، ومشهور عندنا على مستوى المحافظة كلها، إن بيحل المشاكل بين الناس، والسحر والدجل، وكلمة منه قادرة تحل خلافات ممكن تدمر شوارع ومدن كاملة… كان في الستينات من عمره، لابس جلابية بيضاء شتوية وتقيلة، وشعره نفس اللون… لما دخل البيت، قلع جزمته بره، وقال بصوت رخيم:
-السلام عليكم يا أهل البيت.
مكنش يقصدنا إحنا لأن كلامه مش موجه لينا، بعدها فضل يبص على الحيطان، ظهر القلق على عيونه، وسأل “خالد”:
-هي تعبانة بقالها أد إيه ؟
-بقالها حوالي يومين تلاته يا شيخ.
الشيخ “هلالي” سكت شوية، فضل يبص حواليه والقلق بيزيد، وبعدها قال لـ”خالد”:
-عايز كل اللي عايشين في البيت ده يكونوا موجودين دلوقتي.
“رفعت” تدخل وقاله:
-بس إحنا على خلاف كبير مع أختنا وجوزها، وشاكين إن جوزها هو السبب.
-يبقى نجيبه علشان لو هو السبب هيشوف أسود أيام حياته، البيت معموله سحر أسود من العالم السفلي، من وقت ما دخلت، وكل العلامات بتقول كده، يمكن أنتوا مش واخدين بالكم علشان خبرتكم قليلة، لكن كل العلامات واضحة زي شمس النهار.
الجزء ٣ (الأخير )
الشيخ “هلالي” سكت شوية، فضل يبص حواليه والقلق بيزيد، وبعدها قال لـ”خالد”:
-عايز كل اللي عايشين في البيت ده يكونوا موجودين دلوقتي.
“رفعت” تدخل وقاله:
-بس إحنا على خلاف كبير مع أختنا وجوزها، وشاكين إن جوزها هو السبب.
-يبقى نجيبه علشان لو هو السبب هيشوف أسود أيام حياته، البيت معموله سحر أسود من العالم السفلي، من وقت ما دخلت، وكل العلامات بتقول كده، يمكن أنتوا مش واخدين بالكم علشان خبرتكم قليلة، لكن كل العلامات واضحة زي شمس النهار.
أنا تدخلت وسألته بأدب:
-بعد إذن حضراتكم يا شيخنا، ممكن أتكلم.
ابتسم، وسألني:
-طبعًا يابنتي، اتكلمي.
-إيه هي العلامات ؟
بص للحيطان وقالي:
-الحيطان عندكم لونها غامق عن العادي، والبيت بمجرد ما دخلته يخنق، مكتوم رغم إن شقتكم بحري وفاتحين الشبابيك، الإضاءة بتاعتكم باهتة وضعيفة رغم إن باين على اللمض إنها جديدة.
الشيخ “هلالي” وقف كلام، وشاور على الحيطان وقال:
-وأكبر علامة مميزة، هي الحيطان اللي عليها بخار مياه، دي علامة لوجود “مارد” من العالم السفلي اسمه “خنفس”، وده ربنا ما يوريكم شيطنته عاملة إزاي ؟.
كلنا كنا واقفين أجسامنا بتترعش حرفيًا من اللي بيتقال، معادا الشيخ، كان ثابت، وقوي، وواقف على حيله… بعدها “رفعت” نزل وجاب “منة” و”زكريا”، الشيخ سلم عليهم عادي، بعدها، سألنا:
-في أطفال عندكم في البيت ؟
رديت عليه:
-لا يا شيخنا، أنا وخالد ربنا لسه مرزقناش، ورفعت ولاده مش هنا، ومنة لسه برضوا.
-كويس علشان ميشوفوش حاجة مؤذية، تعالوا كلكم معايا.
دخلنا معاه الأوضة اللي حماتي نايمة فيها، قعدنا كلنا على الأرض حوالين سريرها، بعدها الشيخ قفل الباب، طفى النور، وطلع شمعة من جيبه حطها على الكومودينو، وفضل يتكلم بصوت منخفض، وحط إيده على راس حماتي، في نفس اللحظة فضلت هي تتهز جامد، ويخرج من بؤها سائل لونه أسود… استمر الشيخ “هلالي” في شغله، بمرور الوقت كانت حرارة الأوضة بتزيد، الجو بقى يخنق، عرقنا كلنا، رغم إن درجة الحرارة بره كانت 10 تقريبًا، يعني عز البرد… وفجأة حماتي فضلت تصرخ، وتتألم، وبعدها الشيخ سألها:
-أنت بتعمل إيه جواها يا “خنفس” ؟
حماتي ردت بصوت ذكوري قوي:
-سيطرت على جسمها، وعلى الشقة علشان ملقتش محبة لما أصحاب الشر طلبوني، ومش ناوي أسيبها إلا لما مدة ربطي بيها تنتهي.
-مدة ربطك بيها كام يوم ؟
-تلاتين يوم.
الشيخ سكت، طلع من جيبه كتاب صغير، وبدأ يقرأ منه:
-يارب الكون.. خالق السماء والأرض… نجينا من المهالك، ونفوس عبادك الضعيفة… نجينا من الصعاب، والمخاطر، واجمع مؤمنيك في مكان واحد، بعيدًا عن الضعف والحزن والابتلاء… يارب الكون نجي هذه السيدة الطاهرة التي ليس لها ذنب في شيء.
حماتي فضلت تتهز، والمارد اللي كان جوه جسمها، فضل يصرخ بصوت مرعب، وقال للشيخ:
-أنا عايز أتحرر من جسمها، لكن مش قادر، في سحر قوي رابطني بيها، مش عارف أتحرر، مش قادر… مش قادر.
الشيخ مسك القرآن الكريم، وقرأ منه بصوت عالي، حماتي ثبتت في مكانها، وخرج من بؤها عصارة سوداء، فالشيخ وقف قراءة، وقالنا بغضب:
-في ملعون معاكم في البيت هنا، فضل يشربها في السحر، لحد ما اتمكن منها، ووصلها للمرحلة الجنونية دي… أنا عمري ما شوفت الكميات دي من السحر… حرام عليكم… اتقوا الله في نفوسكم المريضة والضعيفة.
هنا “منة” عيطت، و”رفعت”، وجوزي كانوا عمالين يبصوا لـ”زكريا” بغضب، وعايزين يقوموا يقتلوه، لكن الشيخ، قطع تفكيرنا كلنا، وسأل المارد اللي جوه حماتي:
-مين اللي دخلك جواها ؟
حماتي ردت بنفس الصوت المرعب:
-مش هقدر أذكر الاسم.
-قول النوع على الأقل.. راجل ولا حرمة ؟
-واحدة ست.
وقتها “خالد” بص لـ”منة” بغضب، وحزن، مكنش مصدق، و”رفعت” قام مسك “زكريا” وفضل يضرب فيه، وقاله:
-أنت السبب… أنت اللي خليتها تعمل كده.
وأنا مكنتش عارفة أتصرف إزاي، كنت خايفة أتحرك، مرعوبة… لحد ما الشيخ صرخ فينا:
-مش وقته تحاسبوا بعض دلوقتي، خلونا نخلص من التهمة دي الأول.
كلنا قعدنا في مكانا، والشيخ كمل قراءة، لحد ما حماتي وقفت ترجيع، وجسمها هدي، والصوت المرعب اللي بيخرج منها اختفى، والشيخ “الهلالي”، شغل نور الأوضة، بعدها دخل الحمام، غسل إيده، ووشه، فضل يستغفر ربنا، ويقول:
-أعوذ بالله من الشرور الإنسانية، والنفوس المريضة، أعوذ بالله من الشرور اللي توصل الإنسان للمرحلة دي.
وهنا “خالد” سأله:
-أمي هترجع كويسة تاني أمتى يا شيخنا ؟
-لسه شوية.
الشيخ رجع للأوضة، وجمعنا حواليه، وطفى النور، وعلى ضوء الشمعة، فضل يقرأ حاجات بصوت غير واضح، وهنا حماتي فضلت تترعش، وتصرخ، وحصل حاجة مكنتش متوقعة، لقيناها بترتفع من على السرير لفوق، وبقى في مسافة بينها، وبين السرير، “منة” وقفت من الخوف، وكانت هتجري عليها، بس الشيخ مسكها جامد ومنعها بصوت قوي:
-متدخليش، ولا حد منكم يدخل وإلا الملعون اللي جواها هيتلبسه.
كلنا سمعنا كده، وفضلنا قاعدين بخوف، والشيخ كمل شغله، وحيطان الشقة بدأت يظهر عليها بخار مياه قوي وغذير، وبقى لونه أسود، فضل يخرج من الحيطان، وينزل على الأرض، لحد ما تقريبًا أرضية الأوضة غرقت. الشيخ كمل، ومن وقت للثاني، بيبتسم فيما معناه إن إنه قرب ينتهي من عمله.. لحد ما حماتي وقعت على السرير، وقالت بصوت مرعب:
-حررني… حررني… حررني..
فالشيخ قال:
-باسم الله، وكلماته، وقوته العظيمة، أخرج منها، ولا تعود من حيث أتيت… أخرج… أخرج… أخرج.
فضل يكرر كلماته، لحد ما كل شيء هدي، فالشيخ سجد على الأرض، وبعدها قام وبصيلنا، طلب من كل واحد فينا يجيله بهدوء وترتيب، ويحط إيده على راس حماتي… “زكريا” سأله:
-ليه يا شيخنا ؟
شخط فيه وقاله:
-من غير ليه، نفذوا يلا كل واحد بالترتيب من اليمين للشمال.
أول واحد كان في دوره كان “رفعت” قرب من والدته، حط إيده على راسها، الشيخ فضل يقرأ بصوت منخفض، بعدها “خالد”، وبعدها “منة”، و”زكريا”، وكنت أنا الأخيرة… بعد ما خلصنا، الشيخ بصيلنا وقال:
-سحركم ملعون، لدرجة مخلتنيش قادر أعرف مين اللي سحر للست الغلبانة دي، بس قدام هعرف.
بعدها برق بعينيه، وقال:
-حطوا إيديكم على بؤكم، ومهما حصل محدش يتكلم، ولا يفتح بؤه علشان الخطوة الأخيرة حضرت.
حطينا إيدينا على بؤنا، بعدها فضل الشيخ يتكلم مع المارد، لحد ما حماتي صرخت، وفتحت بؤها، ورجعت كل اللي في بطنها، بعدها خرج من بؤها دخان لونه أسود، والدخان قعد يلف في الأوضة حوالينا، وخرج من الشباك، واختفى، حماتي فتحت عينيها، فضلت تعيط… فالشيخ شغل النور، وقالها:
-حمدلله على سلامتك يا طيبة، يا طاهرة.. لولا قلبك النقي، كان الملعون ده فضل جواكي، ومخرجش.
كلنا جرينا على حماتي، وبوسناها، وشكرنا الشيخ، وعمت علينا أجواء من الفرحة، و”رفعت” مسك “زكريا” و”منة” وطردهم بره الشقة، وحرج عليهم ميجوش هنا تاني. وخلال كام يوم يشوفولهم شقة بعيدة عننا، ولأن “خالد” كان متعلق بأمه، وافق على كلام أخوه، ولأول مرة ميدخلش ويمنعه من تهوره… حماتي عرفت اللي حصل، وعيطت وكانت زعلانة من بنتها أوي.. فنا هديتها، وبعدها خدتها مع جوزي للحمام، خليناها تغير هدومها، وتستحمى، لما خلصنا قعدنا كلنا في الصالة. بعدها الشيخ قال لحماتي:
-كله هيرجع كويس، متقلقيش. قوليلي أنتي كنتي شايفة إيه في الأيام اللي فاتت ؟
حماتي شربت شوية مياه، وقالت:
-كنت طول الوقت محبوسة جوه أوضة، أوضة مفهاش نور، ودايمًا حَر، حاولت أصرخ، أتكلم، لكن مكنش جوايا طاقة أتصرف.. ومن وقت للتاني، كنت بخرج من الأوضة، بشوف نفسي وسط ولادي، وفي شقتي، لكن مكنتش قادرة أتواصل معاهم… كان في حد مسيطر على عقلي، وروحي، وجسمي… وأسوء وقت كان بيعدي عليا، لما كنت بشوف نفسي متسلسلة بحديد من نار، وفي شخص لونه أسود، وجسمه بيتحرق، ماسك زي شاكوش كبير، وبينزل في جسمي ضرب، وتعذيب، الغريب إن مكنتش بحس بألم، لكن كنت بحس إن روحي عايزه تطلع من جسمي، ومش قادرة أتنفس، ولا أركز في أي حاجة حواليا… ولما أنت جيت يا شيخنا، وحصل معاك اللي حصل، بدأت أرجع للواقع، وأتحرر من العبودية اللي كنت فيها… بس حقيقي مش قادرة أصدق ليه “منة” بنتي الوحيدة تعمل كده ؟، ليه بس ؟، ليه مبقاش في خير في الناس.
الشيخ طبطب عليها، وقالها:
-معلش، النفوس بقت بعيدة عن ربنا، وبعدهم ده بيخليهم يعملوا شرور مش واخدين بالهم من خطورتها. كل اللي محتاجة منك دلوقتي، إنك تنامي، وترتاحي وتسيبي الباقي على ربنا. يلا يا “أمنية” دخلي حماتك تنام في أوضة تانيه، وبعدين تعالي عايزك.
قولتله:
-حاضر يا شيخنا.
سندت حماتي، نيمتها في أوضة الأطفال، بعدها قفلت عليها الباب وخرجت، فالشيخ قال لـ”رفعت” بعد إذنك عايزك تنزل، وتستحمى، واللبس اللي حضرت بيه الجلسة تحرقه كله، ومتطلعش هنا إلا لما أقولك.
“رفعت” بان عليه القلق، وقاله:
-حاضر يا شيخنا حالاً.
“رفعت” نزل، وقعدت أنا و”خالد” والشيخ لوحدنا في الصالة، والشيخ قالنا:
-اللي حصل مع الست الطيبة ده، نوع شرير من أنواع السحر الأسود، اسمه “سحر القبور”، وده عبارة عن إن الدجالين بيروحوا للقبور، ياخدوا التراب، أو الرملة اللي بتكون هناك، ويقروا عليها تعاويذ من كتب سحر قوية جدًا. بعدها يحطوا على التراب ده دم حيوانات، ويسبوه ينشف، ويدوه للناس ضعاف النفوس، علشان يحطوه بكميات قليلة في الأكل أو الشرب للناس اللي عايزين يأذوهم… النوع ده من السحر قذر جدًا، وفكه بيكون أصعب من ربطه بمراحل.
“خالد” سأله:
-مين اللي عمل كده يا شيخنا ؟
-هتعرف في الوقت المناسب… المطلوب منكم تنضفوا الأوضة اللي حصلت فيه جلسة الفك دلوقتي… تحرقوا أي حاجة فيها… هدوم.. سجاجيد… مفارش السرير… وبالنسبة للخشب بتاع الأوضة هترشوا عليه المياه دي.
طلع من جيبه زجاجة مياه بلاستيك صغيرة، وإدهالنا، وكمل:
-وتخلوا بالكم، متخلوش حد غريب يدخل البيت، وبلاش تاكلوا بره…. الأيام دي صعبة أوي، وأسوء ما فيها إن الناس مبقتش تخاف ربنا.
“خالد” فضل يعيط، فالشيخ طبطب عليه، وقاله:
ووجه كلامي ليا، وقالي:
-نظراتك لحماتك كانت مليانة فرح، وخبث، حاولتي من وقت للتاني تدعي إنك خايفة وقلقانة عليها، بس مقدرتيش، وكنتي طول الوقت بتابعي اللي بيحصل بشغف، ونفسك روحها تطلع في أي وقت.. ولما أنا طلبت منكم تحطوا إيديكم على راسها، الرعب سيطر عليكي، وبقيتي خايفة تتكشفي.
قولتله:
-كدب أنا معملتش حاجة خالص، أنا بعاملها زي أمي الله يرحمها وأكتر والله يا سيدنا الشيخ.
الشيخ بصلي بغضب شديد، ووقف، مسكني من إيدي، فضل يضغط عليها جامد، صرخت من الألم، ووقع من جيبي كيس فيه “تراب من القبور”، وهنا “خالد” بصلي بدون تصديق وقالي:
-مش ممكن، أنتي اللي عملتي كل ده ؟ طب ليه ؟ وخليتنا نظلم “منة” أختي، وجوزها اللي أضرب أكتر من مرة بسببك، وهما في النهاية مالهمش ذنب في حاجة، منك لله، اللي زيك لازم يموت.
قولتله بصوت تخين، وحاد:
-علشان أمك ست شريرة، طول الوقت عيزانا حواليها، بتفضلك أنت وعيالها و”زكريا” عني، عمري ما شوفت في عينيها حب حقيقي ليا.. رغم إنها مأذتنيش لكنها دايمًا بتبصلي بنظرة الست اللي خطفت ابنها، بعد ما خلفته، وأكلته، وعلمته، ووصلته لمرحلة حلوة… حتى موضوع الخلفة، كانت بترمي عليا كلام يسم البدن طول الوقت… ده كله بجانب إنها كانت مخترقة حياتنا، وبتتدخل في الصغيرة والكبيرة… كان لازم أخلص منها بأي شكل… مهما كانت المخاطرة أو التمن..
“خالد” مسك سكينة الفاكهة، ولسه جاي يحطها في رقبتي، قام الشيخ مسكه ومنعه، وقاله:
-مش هي اللي عملت كده.. دي الروح الشيطانية اللي لبساها، هاتلي حبل بسرعة.
“خالد” جري وراح جاب حبل، والشيخ كتفني، و”خالد” ربط الحبل على جسمي كله، بعد كده، رفعني ودخلنا لأوضة نومي، والشيخ قفل الباب، وولع شمعة، وطفى النور، وبدأ يقرأ عليا بصوت عالي، جسمي فضل يتهز… يتهز جامد، ورجعت عصارة سوداء من بؤي، وبعدها فقدت الوعي، ومحستش بأي حاجة تانيه..
*****
بعد حوالي ساعتين، فوقت ولاقيت نفسي نايمة على سرير أوضة نومي، جسمي كله مياه، الأرض متغرقة، والشيخ بيقول لـ”خالد”:
-مراتك ملهاش ذنب في حاجة، مش هي اللي عملت كل ده، السبب كان “زكريا” جوز أختك، هو اللي شرب مراتك تراب المقابر الملعون، وخلا السحر يسيطر عليها، وبعد كده، السحر خلاها تشرب والدتك التراب، علشان في النهاية يبقى الموضوع بره “زكريا”، وأختك… والله أعلم بقى كان عايز ياخد إيه، ولا هدفه إيه.
“خالد” عيط، وسأله:
-طيب أختي ليها ذنب ؟
-لا، ملهاش أي ذنب، وفي الأغلب مكنتش تعرف، بس كانت شاكة في جوزها، وشايلة الهم بسبب أفعاله… لما كلهم حطوا إيديهم على راس والدتك، بان ده قدامي… بس مكنش ينفع أعلن… علشان الدنيا متولعش بينكم. أخوك، “رفعت” مجنون، وكان ممكن يقتل “زكريا”، أنت أعقل منه… مراتك طيبة وقلبها أبيض… واللي خلاني متأكد إن “زكريا” هو السبب إن تاريخه معروف في السحر، وياما أذى ناس كتيره بنفس الطريقة دي.
لما الشيخ شافني فوقت، ابتسم وقالي:
-حمدلله على سلامتك يا عروسة، معلش قولتلك كلمتين بايخين علشان أخدع اللي كان جواكي ونخرجه.
عيطت جامد، ومكنتش مصدقة كل اللي حصل، و”خالد” فضل يبوس في إيدي، ويعتذرلي، وطلب مني أسامحه.. ولأن بحبه مكنش في إيدي حاجة غير الموافقة.
بقلم سامي ميشيل